نازك الملائكة

7:20 م اريج الامل 0 التعليقات




عندما انبعث الماضي

أمس في الليل وكانت صور الأسرار شتّى
تتصبّى حاضري الغافي وكان الأمس ميتا
خلتني كفنّته ذات مساء
وتحصّنت بدعوى كبريائي
سمعت روحي في إغفاءة الظلمة صوتا
لم يكن حلما خرافيّ الستور
بعثته رغبة خلف شعوري
كان شيئا , كان في صمت الدجى صوتك أنتا
صوت ماضيّ الذي مات وما خلّف شيّا
غير أشتات احتقار باهت
رسبت في قعر قلبي الصامت
غير أشتات ادّكارات لحبّ كان حيّا
منذ أعوام.. وقد فات ومرّا
منذ أعوام.. وصار الآن ذكرا
لفّها الماضي وواراها التراب الأبدّيا
ذلك الصوت الذي مرّ على سمعي أمس
كان حلما ذائبا في عبراتي
كان حبّا تائها في أمنياتي
ثم حطمّت على ذكراه قيثارتي وكأسي
عندما ضّيعته تحت الضباب
تعثّرت بأشلاء شبابي
وتهاويت على جثّة أحلامي وانسي
ومضى عامان ممطوطان مرّا في شحوب
كان عمري خربة يصبغها لون الغروب
مدت الذكرى ذراعيها إليّا
لونهايخلق من رعبي دنيا
ويثير الوتر الميّت في قلبي الكئيب
وانقضى عامان ملعونان من أعوام حبي
مزّقت روحي أظفارهما , روحي وقلبي
لم تدع شراعا من رجاء
أبدا لم تبق إلا كبريائي
وأباديد ادّكارات لها قسوة ذئب
أمسي الراسب في أعماق حسّي
عرفت فيها صدى الصوت الذي غمغم قربي
إنه الأمس إذن عاد ليحيا من جديد
إنه عاد إذن يطرق أبواب شرودي
أسفا يا شبحي عد للتراب
لم تعد تملك أن تطرق بابي
لم يعد يربطنا إلا ركام من حدود
هوّة أعمق من ذنبك ! ماذا ؟
غير ذكرى عبرت يوما ومرّت بوجودي ؟
إنه عاد إذن يطرق أبواب شرودي
أسفا يا شبحي عد للتراب
لم تعد تملك أن تطرق بابي
لم يعد يربطنا إلا ركام من حدود
هوّة أعمق من ذنبك ! ماذا ؟
قد تبّقى لك عندي غير هذا ؟
غير ذكرى عبرت يوما ومرّت بوجودي ؟


قصيدة مر القطار

الليل ممتدُّ السكونِ إلى المدَى

لا شيءَ يقطعُهُ سوى صوتٍ بليدْ

لحمامةٍ حَيْرى وكلبٍ ينبَحُ النجمَ البعيدْ،

والساعةُ البلهاءُ تلتهمُ الغدا

وهناك في بعضِ الجهاتْ

مرَّ القطارْ

عجلاتُهُ غزلتْ رجاءً بتُّ أنتظرُ النهارْ

من أجلِهِ .. مرَّ القطارْ

وخبا بعيداً في السكونْ

خلفَ التلال النائياتْ

لم يبقَ في نفسي سوى رجْعٍ وَهُونْ

وأنا أحدّقُ في النجومِ الحالماتْ

أتخيلُ العرباتِ والصفَّ ا لطويلْ

من ساهرينَ ومتعبينْ

أتخيلُ الليلَ الثقيلْ

في أعينٍ سئمتْ وجوهَ الراكبينْ

في ضوءِ مصباحِ القطارِ الباهتِ

سَئمتْ مراقبةَ الظلامِ الصامتِ

أتصوّرُ الضجَرَ المريرْ

في أنفس ملّت وأتعبها الصفيرْ

هي والحقائبُ في انتظارْ

هي والحقائبُ تحت أكداسِ الغبارْ

تغفو دقائقَ ثم يوقظها القطارْ

وُيطِلُّ بعضُ الراكبينْ

متثائباً، نعسانَ، في كسلٍ يحدّق في القِفارْ

ويعودُ ينظرُ في وجوهِ الآخرينْ

في أوجهِ الغُرَباء يجمعُهم قطارْ

ويكادُ يغفو ثم يسمَعُ في شُرُودْ

صوتاً يغمغمُ في بُرُودْ

" هذي العقاربُ لا تسيرْ !

كم مرَّ من هذا المساء؟ متى الوصولْ ؟"

وتدقٌّ ساعتُهُ ثلاثاً في ذُهُولْ

وهنا يقاطعُهُ الصفيرْ

ويلوحُ مصباحُ الخفيرْ

ويلوحُ ضوءُ محطةٍ عبرَ المساءْ

إذ ذاكَ يتئدُ القطارُ المُجْهَدُ

... وفتىً هنالكَ في انطواءْ

يأبى الرقادَ ولم يزلْ يتنهدُّ

سهرانَ يرتقبُ النجومْ

في مقلتيه برودةٌ خطَّ الوجومْ

أطرا فَهَا .. في وجهِهِِ لونٌ غريبْ

ألقتْ عليه حرارةُ الأحلام آثارَ احمرارْ

شَفَتاهُ في شبهِ افترارْ

عن شِبْهِ حُلْمٍ يفرُشُ الليلَ الجديبْ

بحفيفِ أجنحةٍ خفيّاتِ اللُحونْ

عيناهُ في شِبْهِ انطباقْ

وكأنها تَخْشَى فرارَ أشعةٍ خلف الجفونْ

أو أن ترى شيئاً مقيتاً لا يُطَاقْ

هذا الفتى الضَّجِرُ الحزينْ

عبثاً يحاول أن يرَى في الآخرينْ

شيئاً سوى اللُغْزِ القديمْ

والقصّةِ ا لكبرى التي سئمَ الوجودْ

أبطالهَا وفصولهَا ومضَى يراقبُ في برودْ

تَكْرارَها البالي السقيمْ

هذا الفتى.....

وتمرُّ أقدامُ الَخفيرْ

وُيطل وجهٌ عابسٌ خلفَ الزُجاجْ،

وجهُ الخفير!

ويهزُّ في يدِهِ السِراجْ

فيرى الوجوهَ المتعَبة

والنائمينَ وهُمْ جلوسٌ في القطارْ

والأعينَ المترقبة

في كلّ جَفْنً صرخةٌ باسمِ النهارْ،

وتضيعُ أقدامُ الخفير الساهدِ

خلفَ الظلامِ الراكدِ



مرَّ القطار وضاع في قلبِ القفارْ

وبقيت وحدي أسألُ الليلَ الشَّرُود

عن شاعري ومتى يعودْ ؟

ومتى يجيء به القطارْ ؟

أتراهُ مرَّ به الخفير

ورآه لم يعبأ به .. كالآخرينْ

ومضى يسيرْ

هو والسِّراجُ ويفحصانِ الراكبين

وأنا هنا ما زلتُ أرقُبُ في انتظارْ

وأوَدُّ لو جاءَ القطارْ ....

قصيدة مرثية يوم تافه

لاحتِ الظلمةُ في الأفْق السحيقِ
وانتهى اليومُ الغريبُ
ومضت أصداؤه نحو كهوفِ الذكرياتِ
وغدًا تمضي كما كانت حياتي
شفةٌ ظمأى وكوبُ
عكست أعماقُهُ لونَ الرحيقِ
وإِذا ما لمستْهُ شفتايا
لم تجدْ من لذّةِ الذكرى بقايا
لم تجد حتى بقايا
انتهى اليومُ الغريبُ
انتهى وانتحبتْ حتى الذنوبُ
وبكتْ حتى حماقاتي التي سمّيتُها
ذكرياتي
انتهى لم يبقَ في كفّيّ منه
غيرُ ذكرى نَغَم يصرُخُ في أعماق ذاتي
راثيًا كفّي التي أفرغتُها
من حياتي, وادّكاراتي, ويومٍ من شبابي
ضاعَ في وادي السرابِ
في الضباب
كان يومًا من حياتي
ضائعًا ألقيتُهُ دون اضطرابِ
فوق أشلاء شبابي
عند تلِّ الذكرياتِ
فوق آلافٍ من الساعاتِ تاهت في الضَّبابِ
في مَتاهاتِ الليالي الغابراتِ
كان يومًا تافهًا. كان غريبًا
أن تَدُقَّ الساعةُ الكَسْلى وتُحصي لَحظاتي
إنه لم يكُ يومًا من حياتي
إنه قد كان تحقيقًا رهيبا
لبقايا لعنةِ الذكرى التي مزقتُها
هي والكأسُ التي حطّمتها
عند قبرِ الأمل الميِّتِ, خلفَ السنواتِ,
خلف ذاتي
كان يومًا تافهًا.. حتى المساءِ
مرت الساعاتُ في شِبْهِ بكاءِ
كلُّها حتى المساءِ
عندما أيقظَ سمعي صوتُهُ
صوتُهُ الحُلْوُ الذي ضيّعتُه
عندما أحدقتِ الظلمةُ بالأفْقِ الرهيبِ
وامّحتْ حتى بقايا ألمي, حتى ذنوبي
وامّحى صوتُ حبيبي
حملت أصداءه كفُّ الغروبِ
لمكانٍ غابَ عن أعينِ قلبي
غابَ لم تبقَ سوى الذكرى وحبّي
وصدى يومٍ غريبِ
كشحوبي
عبثًا أضرَعُ أن يُرجِعَ لي صوتَ حبيبي


قصيدة جنازة الموح
سأغلق نافذتي فالضياء
يعكّر ظلمتي الباردة
سأسدل هذا الستار السميك
على صفحة القصة البائدة
وأطرد صوت الرياح البليد
وإشعاعة الأنجم الحاقدة
وأسند رأسي إلى الذكريات
وأغمس عينيّ في دمعتين
وأرسل حبي يلفّ القتيل
ويدفئ جبهته الهامدة
لعلي أردّ إليه الحياة
وأمسح من زرقه الشفتين
سأغلق نافذتي فالقتيل
يحب الظلام العميق العميق
واكره أن يتمطّى الضياء
على جسمه الشاعريّ الرقيق
على جبهة زرعتها النجوم
ولوّنها ضوؤها بالبريق
وكانت تشعّ الحياة فعادت
تمجّ الأسى والرّدى والعذاب
تخطّ عليها ذراع الممات
أساطير عهد سحيق سحيق
أمرّ عليها بكفّي فأصر
خ رعبا واسقط فوق التراب
سأغلق نافذتي فالظهير
ة لا ينتهي حقدها الراعب
تصبّ سكينتها في برود
ويسخر بي وجهها الغاضب
يطاردني صمتها السرمديّ
ويكئبني لونها الراسب
وأين المفر ؟ تكاد الستائر
تدخلها غرفتي المظلمه
وأين المفر ؟ وهذا القتيل
يروّعني وجهه الشاحب
أمامي القتيل وخلفي الظهير
ة يا للمطاردة المؤلمه
سأصبر حتى يجيء الدجى
ويغرب خلف الوجود الضياء
فأحمل هذا القتيل البريء
إلى هوّة من كهوف المساء
أسير بأشلائه موكبا
بطيء الخطى كليالي الشتاء
وتتبعني شهقات التذكّ
ر مهمومة في أسى وشرود
وفي آخر الموكب المترّنح
وجه يشيعه في ازدراء  -
وفي آخر الموكب المترّنح
وجه يشيعه في برود  -
عرفت الجبين عرفت الشفاه
وهذي العيون الغلاظ الأديم
عرفت بها وجه حزني الدفين
وقد عاد يحمل جرحي القديم
وفي يده مدية لم يزل
علة حدّها دم أمسي الأليم
عرفت العدوّ اللجوج هناك
يسير على أثر الموكب
يحدّق مستهزئا بالقتيل
ويضحك ضحكة فظّ أثيم
نعم هو ..أعرفه جيدا
فكم مرّة قبل قد مرّ بي
وأبصرت في أثري ألف طيف
حزين تلفّع بالعبرات
عرفت بها البسمات التي
لقيت بها لطمات الحياة
عرفت بها الضحكات التي
سكبت نداها على الذكريات
أهذي إذن بسماتي ؟ حنانا
أعدن عبوسا ورجع أنين ؟
أهذي إذن ضحكاتي أهذي
نهاية ما صغت من بسمات
وهذا القتيل أحقا فقدت
به مرحي المضمحلّ الدفين ؟

0 التعليقات: